صعد البنك المركزي السعودي من استخدام آلية ضخ الأموال في النظام المالي، إذ يتطلع إلى معالجة أزمة السيولة التي أدت إلى دفع تكاليف الاقتراض إلى أعلى مستوياتها منذ عقود، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.
التدخل الأخير جاء عن طريق عمليات السوق المفتوحة، وهي المعاملات التي تسمح للبنك المركزي بتوفير أو سحب السيولة قصيرة الأجل مقابل الأوراق المالية من المقرضين.
على غير العادة في فترة ارتفاع أسعار النفط؛ تواجه البنوك السعودية نقصاً في السيولة. أدى الارتفاع السريع في الإقراض الذي لم يقابله نمو الودائع إلى احتياج البنوك للتمويل. وفي الوقت نفسه، لم يتحقق التدفق المتوقَّع للودائع الحكومية من إيرادات النفط الخام المرتفعة، كما أنَّ ضخ السيولة السابق من قبل البنك المركزي قدّم راحة مؤقتة للبنوك.
قال الأشخاص، الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم لأنَّ المعلومات خاصة، إنَّ السلطة النقدية كثّفت استخدامها لعمليات السوق المفتوحة خلال الأسابيع القليلة الماضية لمعالجة المشكلة. ساعدت جهود البنك المركزي، على استقرار أسعار الفائدة على الأموال التي تفرضها البنوك للاقتراض من بعضها، على الرغم من أنَّها ما تزال بالقرب من مستوى قياسي مرتفع.
لم يرد البنك المركزي السعودي فوراً على طلب للتعليق.
يحاول صانعو السياسة النقدية اتباع نهج جديد بعد أشهر من تعرّض السيولة المصرفية لضغوط غير مسبوقة، بعد أن تجاوز التوسع في الإقراض نمو الودائع، بجانب الزيادات الأربع المتتالية في أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس للحفاظ على ربط عملة المملكة بالدولار.
في شهر يونيو، أودع البنك المركزي السعودي نحو 50 مليار ريال (13 مليار دولار) ببنوك تجارية، وفق ما أوردت "بلومبرغ" في ذلك الحين. أدى ضخ الأموال بخصم على سعر الفائدة السائد بين البنوك السعودية (السايبور) لأجَل ثلاثة أشهر إلى تخفيف ظروف السيولة خلال الصيف قبل أن تضيق مرة أخرى.
ضغوط التمويل تصاعدت الشهر الماضي، إذ بلغ "السايبور" لأجَل ثلاثة أشهر ذروته عند مستوى قياسي يقل قليلاً عن 6% في أواخر أكتوبر.
ومنذ ذلك الحين، انخفض بمقدار نصف نقطة تقريباً، حتى بعد أن اتبع المركزي السعودي الاحتياطي الفيدرالي الأميركي مرة أخرى في نوفمبر ورفع أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس. يرى الخبير الاقتصادي فاروق سوسة من "غولدمان ساكس" أنَّ "معدلات الفائدة المرتفعة مسؤولة جزئياً عن ارتفاع أسعار (السايبور)، لكنَّ الضغوط التي تعانيها السيولة المحلية تزيد الأمر". ويقول إنَّ "البنوك تتنافس بقوة على حصتها في السوق من خلال التوسع الهائل في الإقراض الذي يزداد بمعدل يتجاوز بكثير نمو الودائع".
تحاول السلطات السعودية ضبط تكلفة الأموال للبنوك لأنَّ أزمة السيولة تهدد بتقويض القدرة على تمويل مشاريع بقيمة تتجاوز 400 مليار دولار، التي يُرتقب تشييدها في المملكة على مدى السنوات الخمس المقبلة، وهي جزء من خطة تحوّل للتنويع الاقتصادي بعيداً عن النفط.
خلال الشهر الجاري، حذّرت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني من مخاطر تباطؤ نمو الإقراض في السنة المقبلة إذا لم يتدخل البنك المركزي للدعم بسيولة إضافية؛ إذ إنَّ معدلات الفائدة المرتفعة بين البنوك يمكن أن تتغلغل في جميع أنحاء الاقتصاد من خلال زيادة تكلفة الاقتراض على المستهلكين والشركات.
يشهد النظام المصرفي في المملكة ضغوطاً لم يمر بها إلا خلال فترات انهيار أسعار النفط أو الأزمات العالمية مثل أزمة الائتمان في عامي 2008 و2009.
على النقيض من ذلك، تسير المملكة هذا العام على المسار الصحيح لتحقيق أول فائض في الميزانية منذ حوالي عقد، بعد زيادة الإيرادات بفضل ارتفاع أسعار النفط فوق 100 دولار وزيادة الإنتاج.
حاولت البنوك السعودية التأقلم من خلال زيادة رأس المال في السوق والاستفادة من استقطاب المزيد من "الودائع بفوائد". وأصدر مقرضون من بينهم مصرف الراجحي وبنك الرياض ديوناً بنحو سبعة مليارات دولار هذا العام، وهو مبلغ مماثل لنظرائهم في الإمارات العربية المتحدة، ولكن بعلاوة مخاطر أكبر.
فهل سيترك التدخل الأخير بصمة أكثر استدامة في السوق ما بين البنوك المحلية، وسط إقدام الاحتياطي الفيدرالي على المزيد من الرفع لأسعار الفائدة، مع خطة لرفع الفائدة القياسية بمقدار 50 نقطة أساس في اجتماعه الأخير لهذا العام في 13-14 ديسمبر.
يرى طارق فضل الله، رئيس قسم الشرق الأوسط لدى "نومورا أسيت مانجمنت" أنَّ "زيادة سعر السايبور مدفوعة بالطلب القوي، لذا؛ فإنَّ ضخ السيولة من قبل البنك المركزي السعودي سيساعد". لكنَّ البنوك قد تحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى جذب ودائع كبيرة من القطاع الخاص للحفاظ على الوتيرة الحالية للإقراض.