النفط يقفز بدول الخليج لفوائض قياسية ويدعم تصنيفاتها الائتمانية

استفاد منتجو النفط في الخليج من الارتفاع الحاد في أسعار الخام منذ بداية العام الماضي، وارتفاع الطلب عقب فتح معظم الاقتصادات بفعل احتوائها لإرهاصات جائحة كورونا. كما أدّى الغزو الروسي لأوكرانيا لحدوث اضطرابات في الإمدادات، ما نتج عنه مواصلة الأسعار ارتفاعها. الأمر الذي انعكس على تحقيق دول الخليج العربي لفوائض مالية في ميزانياتها لأول مرّة منذ فترة طويلة، فضلاً عن تحسين التصنيفات الائتمانية لهذه الدول من قِبل الوكالات الدولية.

تُشكّل عُمان نموذجاً لهذا التحوّل، حيث انتقلت ميزانية السلطنة لتحقيق فائض في النصف الأول من 2022 تجاوز ملياري دولار، مقابل عجز بلغ نحو 2.9 مليار دولار للفترة نفسها من العام الماضي. ويعود تحقيق هذا الفائض، الأول منذ عام 2013، بشكلٍ أساسي للزيادة الكبيرة في صافي الإيرادات النفطية التي قفزت 40% لنحو 8.3 ميار دولار، ومثّلت ما يناهز نصف الإيرادات الإجمالية للبلاد.

الحكومة العُمانية استفادت من هذه الإيرادات المالية الإضافية عبر تسريع وتيرة تحفيز النمو الاقتصادي من خلال زيادة الإنفاق الإنمائي. كما تسعى السلطنة لخفض الدين العام وإدارة محفظة القروض، من خلال إعادة شراء بعض السندات السيادية وسداد قروض عالية الكلفة وإصدار صكوك محلية للتداول في بورصة مسقط، والذي أسفر عن تراجع الدين العام خلال 6 شهور بمقدار 6 مليارات دولار إلى 48.3 مليار.

هذه التطوّرات انعكست بشكلٍ سريع ومباشر على التصنيف الائتماني للسلطنة، حيث رفعت وكالة "فيتش"، البارحة الإثنين، تصنيف قدرة عُمان على الوفاء بالالتزامات طويلة الأجل بالعملة الأجنبية إلى "BB" من "-BB"، ومنحتها نظرة مستقبلية مستقرّة.

وفقاً للوكالة، فإن عائدات النفط المرتفعة ستدعم فوائض الميزانية في عامي 2022 و2023 وانخفاض الدين الحكومي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي أقل من متوسط "BB".

"فيتش" تتوقّع أن تحقق سلطنة عُمان فائضاً بـ5.5% و3.4% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العامين الحالي والمقبل على التوالي، ما يمثّل أول فائض منذ عام 2013، بعد نمو عائدات البلاد من النفط بما يفوق زيادة الإنفاق.

بدورها، حققت البحرين خلال النصف الأول من العام الحالي أول فائض مالي في ميزانيتها منذ نحو 14 عاماً، وإن كان متواضعاً حيث بلغ 87.5 مليون دولار، بينما كانت التقديرات تُشير لتحقيق عجز خلال تلك الفترة بمقدار 1.38 مليار دولار.

كان آخر فائض مالي سنوي حققته البحرين قبيل الأزمة المالية العالمية وانهيار أسعار النفط في 2008. وعزت وزارة المالية والاقتصاد الوطني الفائض المحقق إلى الالتزام ببرنامج التوازن المالي وارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، ما أدّى لارتفاع الإيرادات النفطية للبلاد 50%، وانعكس زيادةً بإجمالي الإيرادات بنسبة 52% مقارنة بالنصف الأول من 2021، لتصل إلى 4.5 مليار دولار.

كانت البحرين تلقّت حزمة مساعدات مالية بقيمة 10 مليارات دولار في 2018، من السعودية والإمارات والكويت، لمساعدتها على مواجهة مستويات الديون المرتفعة وعجز الميزانية. وبالتالي، فإن الانعكاس الإضافي لارتفاع أسعار النفط يتمثل باستبعاد مطالبة تلك الدول المنتجة للخام بأموالها خلال فترةٍ قريبة، لا بل تعزيز قدرتها لتقديم دعم إضافي للبلاد في حال احتاجت ذلك. السعودية: نصف عام ذهبي

المملكة العربية السعودية، أكبر منتجي "أوبك"، تمثل طليعة المستفيدين من ارتفاع أسعار النفط، حيث حققت، خلال الربع الأول، فائضاً بلغ 21 مليار دولار، مدفوعاً بقفزة الإيرادات النفطية بمعدل 89%، على أساسٍ سنوي، لتبلغ 67.7 مليار دولار.

هذا الفائض الربعي هو الأعلى منذ عام 2017، وهو تاريخ بدء وزارة المالية السعودية بالإعلان عن نتائج الميزانية بشكلٍ فصلي. وعليه، وصل الفائض للشهور الست الأولى منذ بداية العام إلى 36.6 مليار دولار، في حين أن حكومة المملكة كانت تتوقّع في موازنة 2022 أن يبلغ الفائض 24.3 مليار دولار لكامل العام. ما يعني أن الفائض المحقق في النصف الأول فقط يفوق إجمالي المتوقّع للسنة الحالية بنسبة 50%.

أمّا دولة الإمارات العربية المتحدة، فشهدت خلال الربع الأول من 2022 قفزةً بصافي الفائض المالي، بلغت 129% على أساسٍ سنوي.

وزارة المالية الإماراتية أحالت هذا الفائض الفصلي، البالغ أكثر من 10 مليارات دولار، إلى الزيادة الحادّة في إنتاج وأسعار النفط بشكلٍ أساسي، إلى جانب التحسن الملحوظ في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي.

متوسط إنتاج النفط في الدولة بلغ 2.95 مليون برميل يومياً، للفترة من يناير إلى مارس. وتشير التقديرات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي النفطي زاد بنسبة 13% على أساس سنوي. بينما يتوقّع مصرف الإمارات المركزي أن ينمو الناتج المحلي النفطي بنسبة 8% و5% خلال العامين الحالي والمقبل، لكن الأمر رهن تطوّرات الصراع في أوكرانيا، وسرعة تعافي الاقتصادات من جائحة كورونا. قطر: نعمة الغاز

قطر، أكبر منتج للغاز المسال في العالم، لم تكن بمنأى عن الانعكاسات الإيجابية لارتفاع أسعار الطاقة، لاسيما الغاز الذي ارتفع سعره منذ بداية العام لمستوى يعادل 600 دولار لبرميل النفط.

ميزانية قطر حققت فائضاً، خلال الربع الأول من 2022، بلغ 3.7 مليار دولار، مقابل 54 مليون دولار فقط للفترة عينها من العام السابق.

وفق بيانات وزارة المالية، سجلت الإيرادات العامة للبلاد في الربع الأول من العام الحالي زيادة سنوية نسبتها 43.8% إلى 17.7 مليار دولار، منها 16.2 ملياراً من قطاعي النفط الخام والغاز الطبيعي. علماً أن موازنة قطر للعام 2022 تحتسب صعر النفط عند 55 دولاراً للبرميل كسعرٍ مرجعي. وتقدّر بلومبرغ أن تصل صادرات الدوحة من الطاقة إلى 100 مليار دولار هذا العام، وذلك لأول مرة منذ 2014.

وكالة "ستاندرد آند بورز" أكّدت، في مايو، تصنيف قطر الائتماني عند "AA-/A-1+"، مع نظرة مستقبلية مستقرة، وذلك على خلفية المكانة المالية القوية لدى الدول الخليجية، فضلاً عن كونها أحد أكبر مصدّري الغاز الطبيعي المسال في العالم بظل ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة.

حلّ أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح البرلمان، في 22 يونيو، ودعا لانتخابات برلمانية جديدة، ملقياً باللوم على الخلاف بين مجلسي الأمة والوزراء في تغذية الاضطرابات السياسية، التي شلّت صنع السياسات في الدولة العضو في "أوبك".

تحول الأوضاع السياسية في الكويت دون إصدار تقارير دورية حول الفوائض أو العجوزات المالية، لا بل تنعكس على تصنيف البلاد، حيث خفضت وكالة "فيتش"، مطلع العام، التصنيف الائتماني طويل الأجل لدولة الكويت من "AA" إلى "-AA"، مع نظرة مستقبلية مستقرة.

بحسب الوكالة؛ "يعكس تخفيض التصنيف استمرار القيود السياسية على عملية صنع القرار، التي تعيق معالجة التحدّيات الهيكلية المتعلقة بكثافة الاعتماد على النفط، ودولة الرفاهية السخية، والقطاع العام الكبير".

وفقاً لمشروع موازنة 2022-2023 المقدّم من وزارة المالية، تتوقّع الكويت تراجع عجز الميزانية للعام المالي الذي بدأ في 1 أبريل، على خلفية ارتفاع أسعار النفط. مقدّرةً أن يبلغ العجز -المقدّر أن يكون التاسع على التوالي- نحو 10.3 مليار دولار، بانخفاض 74.2% عن تقديرات العام الحالي.

تستند حسابات الميزانية إلى سعر النفط عند مستوى 65 دولاراً للبرميل، ارتفاعاً من 45 دولاراً بالميزانية السابقة، بينما نقطة التعادل المالي بالنسبة للدولة عند 75 دولاراً للبرميل.

لكن مصادر مالية توقّعت لـ"أرقام" أن تحقق ميزانية السنة المالية الجديدة فائضاً بنحو 18 مليار دولار. فيما قدّر تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، أواخر أبريل، أن "تحقق البلاد فائضاً مالياً كبيراً لأول مرّة منذ 2014، وذلك بنسبة 8.6% من الناتج المحلّي الإجمالي".

مواضيع مرتبطة
التعليقات
or

For faster login or register use your social account.

Connect with Facebook