هل يتبخر الطلب على النفط في العامين الجاري والمقبل؟

ليست المراجعات الأخيرة لتوقعات الطلب على النفط صعودية كما قد تبدو؛ لذلك لا تتحمسّوا كثيراً لارتفاع الأسعار.

في هذا الصدد، حدّثتْ كلٌ من وكالة الطاقة الدولية، وإدارة معلومات الطاقة الأميركية، ومنظمة البلدان المصدِّرة للبترول (أوبك) توقعاتها قصيرة المدى في الأسبوع الماضي، حيث خفّضت اثنتان منها تقديرات الطلب لكل من هذا العام والعام المقبل، في حين خالفتهما وكالة الطاقة الدولية وزادت توقعاتها.

ولم يكن التعديل من جانب الوكالة التي تتّخذ من باريس مقراً لها بسيطاً، بل عدّلت الطلب على النفط للأعلى لهذا العام بمقدار ضخم بلغ 520,000 برميل يومياً، مع توقّع معظم ذلك في عام 2023 أيضاً. وفي ظاهر الأمر، يُعدُّ هذا صعودياً للغاية بالنسبة للنفط.

لكن هناك الكثير من الأسباب التي تدعو إلى توخّي الحذر.

أولاً، دعونا نقارن التوقعات الفعلية من المجموعات الثلاث من المحللين ونضعها في سياقها التاريخي. حيث تُحدّد مراجعة وكالة الطاقة الدولية الطلب الجديد لعام 2022 في منتصف المسافة تقريباً بين ذلك الخاص بأوبك وذلك الخاص بإدارة معلومات الطاقة الأميركية. كما أن نظرتها للأمور الآن تُشبه إلى حد كبير نظرتها في شهر مارس. لذا، على الرغم من أن مراجعة وكالة الطاقة الدولية كانت كبيرة، إلا أنها لا تتعارض مع التعديلات الأخرى.

يُشار إلى أنَّ الميزة الأخرى الملحوظة في التوقعات هي أنَّ نمو الطلب على النفط يختفي بسرعة، كما يُوضّح الرسم البياني أدناه. حيث نما الطلب العالمي على النفط على أساس سنوي بنحو 5 ملايين برميل يومياً في الربع الأول من العام - تتفق جميع المصادر الثلاثة على ذلك - لكن هذه الزيادة آخذة في التبخر الآن.

الجدير بالذكر أن هذا ليس غير متوقع تماماً عندما ننظر إلى المقارنات على أساس سنوي. حيث كان الطلب على النفط في بداية عام 2021 ما يزال متأثراً سلباً بجائحة كورونا، لذلك كان الانتعاش في بداية هذا العام معقولاً تماماً.

من ثم انتعش النشاط الاقتصادي والسفر في نهاية المطاف في وقت لاحق من عام 2021، لذلك نتوقّع أن يتراجع نمو الطلب في الأرباع المقابلة من عام 2022.

من المفيد أيضاً البحث بمزيد من التفصيل عن سبب تعزيز وكالة الطاقة الدولية لتوقعاتها للطلب، حيث يستند سبب المراجعة إلى عاملين.

فهي ترى زيادة في الطلب على النفط في توليد الطاقة، لا سيما في الشرق الأوسط، حيث يرتفع الطلب على الكهرباء للحفاظ على تشغيل مكيفات الهواء بكامل طاقتها في الصيف. على غرار عام 2021، كان هذا العام حاراً، حيث بلغ متوسط ​​درجات الحرارة اليومية في الرياض بالمملكة العربية السعودية أكثر من 43 درجة مئوية (109 درجة فهرنهايت) منذ بداية يونيو ولا يُتوقع أن تنخفض كثيراً قبل أكتوبر.

في حين أن استخدام النفط هذا في الشرق الأوسط سيدعم الطلب لفترة من الوقت، فمن غير المرجح أن يستمر في الأشهر الأكثر برودة. وقد يكون الوضع مختلفاً في أوروبا، حيث تُشير وكالة الطاقة الدولية إلى زيادة استخدام النفط في توليد الطاقة في البرتغال وإسبانيا والمملكة المتحدة، وكذلك في اليابان.

فضلاً عن ذلك، أصبح النفط جذاباً كوقود بديل بسبب ارتفاع أسعار الغاز، إلا أنّ أوروبا تعمل على تجديد مخزوناتها من الغاز الطبيعي بسرعة قبل الشتاء، حيث بدأتْ عمليات التخزين قبل تسعة أسابيع تقريباً من العام الماضي، وذلك مع تقلص التدفقات من روسيا بشدة بالفعل. كما يرى المحللون في "ستاندرد تشارترد" (Standard Chartered) أن سلاح الغاز الذي يستخدمه الرئيس فلاديمير بوتين قد ضعف بسبب زيادة المخزون، مما يشير إلى أنَّ أوروبا يمكن أن تكون قريباً في وضع يُمكِّنها من اجتياز الشتاء "بشكل مريح" بدون الغاز الروسي.

مما لا شكّ فيه أنَّ المزيد من الغاز الطبيعي من شأنه أن يُقلِّل الضغط على الطلب على النفط كبديل. وقد توصّلتْ دول الاتحاد الأوروبي أخيراً إلى اتفاق سياسي لخفض استخدام الغاز بنسبة 15% حتى الشتاء المقبل. كلما زاد تبنّيهم لإجراءات فعّالة لتوفير الطاقة الآن، ستكون الأشهر المقبلة أقل صعوبة. المشكلة هي أنَّ خطط الطوارئ لخفض إمدادات الغاز والطاقة للصناعة هذا الشتاء ستستمر في تأجيج الطلب على النفط طالما استمرّت المخاوف من التخفيضات المحتملة.

إلا أنَّ هذا الطلب الإضافي سيواجه تدهوراً في النظرة الاقتصادية. ففي حال أدّى ارتفاع أسعار الوقود والغذاء وكل شيء آخر تقريباً إلى حدوث ركود، كما يخشى العديد من المحللين، فقد يؤدي انخفاض النشاط الاقتصادي إلى إرسال الطلب على النفط بسرعة في الاتجاه المعاكس.

لذا فإنني أُبقي توجهاتي الصعودية إزاء أسعار النفط معلّقة في الوقت الحالي

مواضيع مرتبطة
التعليقات
or

For faster login or register use your social account.

Connect with Facebook