يشهد الاقتصاد العالمي حالة من الترقب، حيث تسببت التعريفات الجمركية التي اقترحها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في اضطرابات بأسواق المال، مما أدى إلى تقلبات حادة في قيم العملات، إذ تراجع الدولار الأميركي، الذي كان قد بلغ أعلى مستوياته خلال عامين في وقت سابق من هذا الشهر، إلى أدنى مستوى له خلال أسبوعين، وسط حالة من عدم اليقين بين المستثمرين.
وانخفض مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأميركية أمام مجموعة من العملات الرئيسية، إلى أدنى مستوياته منذ أوائل يناير/كانون الثاني.
جاء هذا التراجع عقب تصريحات ترامب حول احتمال فرض تعريفات جمركية بنسبة 10% على السلع الصينية و25% على المنتجات القادمة من المكسيك وكندا. وبسبب غياب أي خطط واضحة، بدأ المستثمرون في بيع الدولار لجني الأرباح
وأوضح براد بيشتل، رئيس قسم العملات العالمية في شركة "جيفريز"، لوكالة "رويترز" أن الأسواق لم تكن قد استوعبت بالكامل تأثير التعريفات المحتملة. وقال: "السوق لم يكن لديه علاوة كبيرة مدمجة في الأسعار بسبب التعريفات. كان هناك تأثير بسيط، لكنه تلاشى الآن. لكن الجزء الأكبر من الحركة كان مدفوعًا بتوقعات الفيدرالي وفروق أسعار الفائدة."
بمعنى آخر، يرى بيشتل أن تراجع قوة الدولار يعود بشكل أساسي إلى التوقعات بشأن السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي أكثر من كونه مرتبطًا بالتعريفات الجمركية.
تأثير الدولار على العملات العالمية
تؤثر تحركات الدولار على العملات العالمية بشكل كبير. فمع تراجعه، ارتفع الين الياباني، في حين تراجع اليورو قليلاً بسبب توقعات الأسواق بأن البنك المركزي الأوروبي سيخفض أسعار الفائدة قريبًا لتحفيز الاقتصاد الأوروبي، وهو ما أدى إلى ضعف العملة الأوروبية.
أما بالنسبة للدول النامية، فإن التقلبات في الدولار تترك تأثيرًا أكبر، إذ يجعل ارتفاع قيمته من الصعب على هذه الدول سداد ديونها أو شراء السلع المسعّرة بالدولار. بينما انخفض الدولار الكندي مؤخرًا إلى أدنى مستوى له منذ خمس سنوات بسبب التضخم البطيء وحالة عدم اليقين التجاري.
التعريفات الجمركية وتأثيرها الاقتصادي
تُعتبر التعريفات الجمركية سلاحًا ذا حدين؛ فمن ناحية، يمكنها حماية الصناعات الأمريكية، لكن من ناحية أخرى، قد تعرقل التجارة العالمية وترفع الأسعار على الشركات والمستهلكين. وزادت تعليقات ترامب الأخيرة حول فرض عقوبات جديدة على روسيا وفرض تعريفات جمركية على الواردات الأوروبية من تعقيد العلاقات التجارية.
يؤدي ارتفاع الدولار إلى إبطاء التجارة العالمية، حيث تفقد الدول الأخرى قدرتها الشرائية عند التعامل بالدولار، وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا بالنسبة للدول النامية التي تعتمد على التجارة والمواد الخام في اقتصاداتها.
وعلى الرغم من أن ضعف الدولار قد يكون مفيدًا للشركات الأميركية التي تصدر منتجاتها للخارج، حيث تصبح سلعها أرخص للمشترين الأجانب. لكن في الوقت نفسه، يشير ذلك إلى تحديات تواجه الاقتصاد، خصوصًا مع استمرار الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى في التعامل مع التضخم وتحديد أسعار الفائدة.
علاوة على ذلك، تؤثر تحركات العملات على أسعار السلع مثل النفط. فالدول المنتجة مثل المكسيك وروسيا قد تستفيد من ارتفاع الأسعار، لكن الدول التي تعتمد على الاستيراد قد تواجه صعوبات بسبب التكاليف المرتفعة.
وختاماً، يراقب الاقتصاد العالمي ما سيحدث مع خطط ترامب للتعريفات الجمركية وقرارات البنوك المركزية الكبرى. ومن المتوقع أن يثبت الفيدرالي أسعار الفائدة اليوم ويخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة في اجتماعه غداً الخميس، في حين قد يرفعها المركزي الياباني. مما يؤثر على قيم العملات. ويتوقع الخبراء أن تستمر حالة عدم اليقين والتقلبات الكبيرة في السوق مع تحول السياسات التجارية والاقتصادية.
في الوقت الحالي، يظل الدولار جزءًا رئيسيًا من الاقتصاد العالمي، وفهم كيفية تغيره أمر مهم للمستثمرين وصناع السياسات الذين يريدون اتخاذ قرارات ذكية.