يدرس المسؤولون في الصين تطبيق حزمة إنقاذ لتحقيق الاستقرار في سوق الأسهم المتراجعة، بحسب أشخاص على دراية بالأمر، وذلك بعدما أخفقت المحاولات السابقة لاستعادة ثقة المستثمرين، مما دفع رئيس الوزراء لي تشيانغ إلى الدعوة لاتخاذ خطوات "قوية".
أوضح الأشخاص الذين طلبوا عدم الإفصاح عن هوياتهم نظراً لأن المناقشات غير معلنة أن صناع السياسات يسعون لجمع تريليوني يوان تقريباً (278 مليار دولار)، غالبيتها من الحسابات الخارجية للشركات الصينية المملوكة للدولة، بوصفها جزءاً من صندوق تحقيق الاستقرار لشراء الأسهم الداخلية بواسطة آلية الربط مع بورصة هونغ كونغ. وأضاف الأشخاص أنهم خصصوا أيضاً 300 مليار يوان على الأقل من الأموال المحلية للاستثمار في الأسهم الداخلية عن طريق شركة "تشاينا سيكيوريتيز فاينانس" (China Securities Finance) أو شركة "سنترال هويجين إنفستمنت" (Central Huijin Investment).
ذكر الأشخاص أن المسؤولين يدرسون أيضاً خيارات أخرى وربما يعلنون عن بعضها في أقرب وقت الأسبوع الجاري إذا وافقت عليه القيادة العليا. ما زالت الخطط عرضة للتغيير، ولم ترد هيئة تنظيم الأوراق المالية الصينية على طلب التعليق.
تبرز المناقشات ارتفاع مستوى الشعور بالحاجة الملحة وسط المسؤولين الصينيين لوقف التراجع الذي هبط بمؤشر "سي إس آي 300" القياسي لأدنى مستوى له خلال 5 أعوام الأسبوع الحالي.
كما تعتبر تهدئة مخاوف المستثمرين الأفراد بالبلاد -ممن تزعزعت ثقة أغلبهم بشدة جراء تراجع قطاع العقارات لفترة طويلة- مسألة مهمة للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي.
قفز مقياس الأسهم الصينية المدرجة في بورصة هونغ كونغ بما يصل إلى 3.8%، وهو الصعود الأكبر منذ 15 نوفمبر الماضي، بعد هبوطه لأدنى مستوياته خلال 19 سنة أمس. فيما عوض المؤشر المحلي "سي إس آي 300" تراجعاً سابقاً بـ1% مرتفعاً بطريقة طفيفة. كما عكس كل من اليوان الداخلي والخارجي الخسائر السابقة، بينما صعدت عوائد السندات الحكومية لأجل 10 أعوام نقطة أساس واحدة مسجلة 2.5%.
من غير المؤكد ما إذا كانت التدابير من هذا النوع ستكفي لوقف التراجع. تشكل أزمة العقارات، وضعف ثقة المستهلكين، وتراجع الاستثمار الأجنبي، وتضاؤل الثقة بين الشركات المحلية بعد أعوام من صنع السياسات المالية المتقلبة، ضغوطاً هبوطية قوية على كل من الاقتصاد والأسواق المالية. أثبتت الجهود السابقة لدعم سوق الأسهم، لا سيما خلال 2015، أنها غير كافية على أحسن تقدير وفي بعض الأحيان أسفرت عن نتائج عكسية. تردد المسؤولون أيضاً في توفير برنامج تحفيز اقتصادي كبير من هذا النوع الذي دعا إليه العديد من مستثمري الأسهم.
خلال اجتماع لمجلس الدولة أمس -برئاسة لي- تلقى مجلس الوزراء الصيني إحاطة حول عمليات أسواق رأس المال علاوة على اعتبارات العمل المتعلقة بها، بحسب بيان رسمي لم يقدم مزيداً من التفاصيل حول ما تدرسه بكين.
قال لي ويكينغ، مدير التمويل في "جيه إتش إنفستمنت مانجمنت" (JH Investment Management): "تؤكد ملاحظات مجلس الدولة أيضاً أن كبار صناع السياسات يولون هذه المسألة أهمية كبيرة، لكن تصعب معرفة ما إذا كانت المكاسب يمكن أن تدوم بعد الشراء أو ما إذا كان الناس سيبيعون الأسهم خلال موجة الصعود".
وبشكل إجمالي، جرى محو ما يفوق 6 تريليونات دولار من القيمة السوقية للأسهم ببورصات الصين وهونغ كونغ منذ الذروة التي بلغتها 2021، ما يبرز الصعوبات التي تواجهها بكين في جهودها لوقف انخفاض ثقة المستثمرين.
استقبل المضاربون تحركات الصين التدريجية خلال الشهور الأخيرة لتعزيز ثقة السوق بدرجة كبيرة من الإحباط، ودعا البعض إلى تطبيق برامج تحفيز أكثر قوة. فرضت بكين قيوداً على عمليات البيع على المكشوف وتدخلت الدولة بالأموال لشراء أسهم البنوك الكبرى. وكان تشكيل صندوق استقرار مدعوم من الدولة محل دراسة منذ أكتوبر الماضي على الأقل، رغم أن البعض شكك في فعاليته.
تضررت ثقة الأسواق الصينية على مدى الأعوام الماضية جراء مراقبة الرئيس شي جين بينغ المتنامية على الشركات الخاصة، والتي تضمنت حملة على عمالقة قطاع التكنولوجيا بالبلاد. بدأت البنوك الدولية التي كانت تخطط لتوسع ضخم بالبلاد في تخفيف تطلعاتها حالياً لبناء منصات داخل ثاني أكبر اقتصاد حول العالم.
قال مارفن تشين خبير استراتيجي في "بلومبرغ إنتليجنس": "يجب أن تكون حزمة الدعم المحتملة قادرة على وقف الهبوط على المدى القصير وتحقيق استقرار الأسواق خلال العام القمري الجديد، لكن عمليات شراء الدولة وحدها حققت نجاحاً محدوداً تاريخياً على صعيد تغيير ثقة السوق إذا لم تتبعها تدابير إضافية.
خلال وقت الانخفاض عام 2015، استغلت بكين "تشاينا سيكيوريتيز فاينانس" باعتبارها أداة استقرار رئيسية لها عن طريق السماح لها بالوصول إلى 3 تريليونات يوان تقريباً من الأموال المقترضة من مصادر من بينها البنك المركزي والبنوك التجارية. استخدمت الأموال في شراء الأسهم مباشرة وتوفير السيولة لشركات الوساطة. رغم ذلك، لم يبتدد الاضطراب إلا بعد مرور سنة.
أشار الأشخاص إلى أن المسؤولين يسعون هذه المرة لاستخدام الأموال الخارجية للحد من التأثير على اليوان الضعيف فعلياً.
يفاقم انهيار الأسهم الصينية الضغوط على مشتقات مالية في ظاهرة يطلق عليها كرة الثلج، وهي منتجات مهيكلة تعد بعوائد تشبه السندات طالما أن الأصول الأساسية يجري تداولها ضمن نطاق محدد. هبط مؤشر "سي إس آي 500" للشركات الصغيرة، وهو معيار تسعير لبعض هذه المنتجات، 4.7% أمس، ما جعله أقل من العتبة الدنيا المقدرة سابقاً التي تسببت في خسائر كبيرة لمشتقات كرة الثلج المالية.
أوقفت أكبر شركة وساطة بالبلاد "سيتيك سيكيوريتيز" الأسبوع الماضي خدمات البيع على المكشوف لبعض العملاء بعد ما يسمى بتوجيه النافذة الرسمية من قبل الجهات التنظيمية، وفقاً لما ذكرت بلومبرغ.