يؤلمنى هذا الضياع الحزبى فى بلادى.. ويؤلمنى أن الفرصة، مجرد الفرصة، فى إصلاحه.. قد فاتت من زمان.. وهذا ليس رأيى وحدى.. بل هو رأى غالبية الناس هذه الأيام.. والسؤال الآن: هل الدولة، ومن سنوات عديدة، وراء هذا الخواء الحزبى؟ أقول نعم!!
فالدولة، منذ «سمحت» بعودة الأحزاب أيام الرئيس السادات، وضعت قيوداً، واشترطت قواعد «تهد الجبال»، ولذلك لم تعرف مصر إلى أن قامت ثورة 25 يناير إلا الأحزاب التى سمحت بها الدولة.
ثم إن الدولة المصرية أيضاً وراء هذا التعدد الحزبى- غير المقبول- بحيث نجد أن عندنا الآن عدداً من الأحزاب يتجاوز 106 أحزاب، حيث تركت الباب مفتوحاً على الغارب.. فوصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن.. ولكن الأخطر- ويحب أن نعترف بذلك- أن تجاهل الدولة للأحزاب كان له الدور الأساسى، وها هى الدولة الآن تجنى ثمار هذا التجاهل، ولذلك تسعى إلى «الشكل الديمقراطى» بحثاً عن مرشحين فى انتخابات الرئاسة الحالية، لتقول للعالم إن عندنا «هذا الشكل الديمقراطى» وكأنها تخشى أن يتهمها أحد- وبالذات خارج مصر- بأنها دولة غير ديمقراطية.. أى كان الحصاد مراً للغاية.. أقول ذلك ومازلت أتذكر «تجربة» انتخابات الرئاسة التى جرت عام 2005 التى سحبوا فيها حزب الوفد إلى ترشيح رئيسه الدكتور نعمان جمعة.. لينافس أيمن نور، وأحمد الصباحى «رئيس حزب الأمة» فى معركة هزلية ضد الرئيس مبارك.. وكان ترشح الدكتور نعمان جمعة بداية انكسار حزب الوفد، الذى هو فعلاً ضمير هذه الأمة.
وأتذكر هنا أول انتخابات عشتها بالكامل وشاركت فيها وهى التى جرت فى ديسمبر 1949 ويناير 1950.. وكيف كانت آخر انتخابات تشريعية تجرى فى ظل دستور 1923. ودخلتها الأحزاب المصرية القومية أيامها.. وفى مقدمتها حزب الوفد والحزب السعدى والأحرار الدستوريون والحزب الوطنى القديم والحزب الاشتراكى والمستقلون.. ورأيت شراسة هذه المعركة عن قرب.. سواء مما رواه لى فؤاد باشا سراج الدين شخصياً، كيف كان كل حزب يختار مرشحيه.. أو ما رأيته عمليا فى الساحة الانتخابية نفسها وكنت يومها طالباً بمدرسة دمياط الثانوية ورأيت الصراع رهيباً بين حامد العلايلى، مرشح الأحرار، وحسن كسيبة، مرشح السعديين، وألفونس نقولا، مرشح حزب الكتلة الوفدية.. وأيضاً المرشح المستقل عبده شرارة.. وكانت دواوين ومكاتب ومنازل كل مرشح مفتوحة قبل المعركة وطوالها.. ولكن كان هناك هذا الحراك السياسى الكبير.. بفضل وجود أحزاب قوية فى الشارع المصرى.
ولكن هل لهذه الأحزاب الآن هذا التواجد الحقيقى فى الشارع؟.. ربما يكون قد بقى بعض هذا التواجد فى حزب الوفد بحكم أن مصر- زمان- كانت كلها وفدية، والآن مازال فى كل عائلة من له جذوره الوفدية.. ولكن أين تأثير كل ذلك؟
وكثيراً- عندما كنت عضواً بالهيئة العليا للوفد- طالبت بأهمية عودة الوفد إلى الشارع، وكان الباشا يستمع جيداً، بل اقترحت أن تعقد الهيئة العليا نفسها كل اجتماعاتها- مرة- فى كل محافظة، أو مدينة كبيرة، للمحافظة على الجماهير، ولكن لم يستجب أحد، وأخذت شعبية الوفد تتراجع عاماً وراء عام.. وقيادة وراء قيادة.. حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن.