امسك مُطبّع!!

سألنى أكثر من زميل: هل تقاطع عرض الفيلم اللبنانى «القضية 23» لزياد الدويرى المعروض فى سينما «زاوية» بوسط المدينة؟.. كنت قد شاهدت الفيلم فى مهرجان «الجونة» سبتمبر الماضى، وسط زوبعة مماثلة، ورغم ذلك تم تكريم المخرج، ومَنَحه مؤسس المهرجان المهندس نجيب ساويرس جائزة تقديرية، كما أن الفيلم حصل على الجائزة الفضية من لجنة التحكيم، من الممكن أن تختلف مع الفيلم فكريًّا وتراه بزاوية ما غير متعاطف لا يصل لمرحلة العداء، ولكنه فى الحدود الدنيا يتعامل ببرودة سينمائية مع الإنسان الفلسطينى، رغم ذلك تظل تلك رؤية المخرج، الذى يرى أنه التزم الحياد الدرامى، وهو ليس بالضرورة معادلا للحياد الفكرى.

الفيلم وصل للقائمة القصيرة فى مسابقة «الأوسكار» التى تعلن 4 مارس، كان المخرج- بمجرد عودته من مهرجان «فينسيا» مكللا بجائزة أفضل ممثل لكمال الباشا قبل نحو عام ونصف العام- قد فوجئ بأن سلطات الأمن فى مطار «رفيق الحريرى»، بدلا من أن تكلل عنقه بعناقيد الورود، تسحب منه جواز سفره اللبنانى، بحجة أنه فى الفيلم الأسبق له وعنوانه «الصدمة» كان قد استعان بإسرائيليين فى تنفيذه، ومشاهد عديدة صورها فى الأراضى المحتلة، وهو ما يعد قطعاً تطبيعاً.

زياد فى كل أحاديثه يؤكد أن تصويره لعمل فنى هناك لا يعد اختراقا مباشرا أو غير مباشر لقرارات المقاطعة، وأتعجب: إذا لم يكن هذا تطبيعا فما هو إذن التطبيع؟!، أؤيد تماما عدم عرض فيلم «الصدمة» فى أى تظاهرة عربية، طالما هناك أياد إسرائيلية مشاركة فى تنفيذه، كما أن إقامته فى أرض العدو «الكيان الإسرائيلى» هى تطبيق عملى للتطبيع الملعون ولاشك، حتى لو كانت أدبيات السياسة لم تعد تستخدم تلك المفردات «عدو» و«كيان»، ولكن يجب احترام قرار المثقفين والفنانين من خلال كل النقابات الفنية، بل المهنية أيضا الذين يصفهم بالأعداء.

ما علاقة «القضية 23» بكل ذلك؟.. قاطع المثقفون فى مصر، أقصد طبعا الأغلبية، الكاتب الراحل على سالم، الذى كان أشهر من أضاءوا ليالى القاهرة بجلساته.. على سالم زار تل أبيب منطلقا بسيارته، مخترقا الحدود الجغرافية والوطنية والنفسية، وعندما أسقطوا عنه عضوية النقابات الفنية عاد بحكم القضاء، وعندما يعرض واحد من أفضل أفلامنا «أغنية على الممر»، المأخوذ عن مسرحيته، نشاهد الفيلم، ولكننا لا نعرض أى عمل فنى له أو لغيره به شبهة التطبيع.

هل من يسافر إلى «رام الله» يعد مطبعا، لأنه سيمر شاء أم أبى بنقطة تفتيش إسرائيلية؟ صحيح لا شىء رسمياً على جواز السفر، ولكن هناك ورقة من السلطات الأمنية الإسرائيلية تمنح لحاملها حق المرور.. التقيت وزير الثقافة الفلسطينى د. إيهاب بسيسو على هامش مهرجان الإسكندرية السينمائى قبل نحو عامين، وكان الرجاء الذى حمّلنى مسؤولية توصيله للناس، نريد الفنان والمثقف والصحفى العربى أن يأتى إلى أرضنا بـ«رام الله»، وقوفكم معنا هو الأمل لنتحدى معا الصلف الإسرائيلى بثقافتنا العربية، قلت له النقابات المهنية، وليس فقط الفنية، وبينها بالطبع نقابة الصحفيين تُجرم ذلك، لأنه قرار جمعية عمومية، نعم بعد مرور قرابة أربعة عقود على إصدار قرار ينبغى إعادة النظر إليه، من خلال واقع المستجدات على الأرض، حتى لو انتهى الأمر إلى تأكيد المقاطعة ومنع السفر إلى «رام الله»، لأننا نشهد دائما اختراقات هنا وهناك، وهكذا تعددت الثقوب، ولكن المؤكد أن عرض الفيلم اللبنانى «القضية 23» ليس له أدنى علاقة بتلك الثقوب!.

مواضيع مرتبطة
التعليقات
or

For faster login or register use your social account.

Connect with Facebook